نور
قصة نور، تلك الشابة الرائعة الجمال والتي كانت تتمتع إلى جانب جمالها بالأخلاق العالية والتمسك بالدين والفضائل، بعمر الزهور هي، لكن الله شاء أن يبتليها بمرض في رأسها، حيّر الأطباء في جميع البلدان العربية إلى أن أخذتها والدتها إلى بريطانيا حيث اكتشف الطبيب هناك العلّة، مرض يصيب شخص واحد على مليون ويسمى تصلب عضلي في الدماغ علاجه طويل ونتائجه غير مضمونة وعندما يبدأ الألم لن ينفع معه أي شيء سوى حقن مخدرة تفقد فعاليتها مع الوقت، لا يوجد دواء لتجنبه أو لإيقافه فهو يفتك فجأة ومن دون إنذار، وماذا عن الجراحة ألا تنفع بشيء سألت والدتها الملكومة.. أجابها هو ليس ورما نستطيع استئصاله هو شيء مختلف وجديد علينا لكن أملنا بالله كبير بأن نكتشف طريقة ما لكن هذا الشيء يمكن أن يأخذ معنا أعوام طويلة وابنتك في سباق مع الوقت، أنا آسف.
بتلك الكلمات القاسية عادت أم نور وهي تفكر ماذا تفعل، إنه حكم بالإعدام على فتاة لم تتخطى الثانية والعشرين عاما وحيدتها فلذة كبدها، ونور لم تكن فتاة عادية كانت تملأ الدنيا بهجة وفرحا ليس فقط لوالدتها بل لكل من تعرف إليها ابتداء من أهلها مرورا بجيرانها وصولا لصديقاتها وأولهن أنا كان لي شرف معرفتها قبل مرضها لأتعلم منها أشياء كثيرة، فهي لم تكن مجرد صديقة فقط بل أصبحت بوقت قصير كل شيء عندي، كانت شقيقة وصديقة، كانت أماً ورفيقة، كانت كريمة لدرجة كبيرة تبتاع الملابس وتأتي إلي قبل أن تأخذها إلى منزلها وتقول لي اختاري منها ما تشائين واتركي الذي لا يعجبك لي حتى الحقائب والأحذية كانت تفكر إن كانت ستعجبني، كنت عندما امرض لا تبارح غرفتي تطعمني بيديها وتسقيني تقيس حرارتي ولا تنام طوال الليل كانت والدتي تقول لي والله إنني لن اهتم بك مثلما تفعل نور الله لا “يفرق بينكم”، بدأت نور تشعر بالآلام بعدما سافرت مع شقيقي لنلتحق بالجامعة لكن أحدا لم يخبرني حتى هي كانت عندما تكلمني تضحك ضحكتها الرنانة التي طالما أحببت وتقول لي هيا لا تتأخري بالعودة فأنا مشتاقة إليك وفعلا وجدتها بانتظاري في المطار لكنني لم اعرفها للوهلة الأولى فوزنها قد زاد بشكل كبير قلت لها وانا يا غافل لك الله، نور ماذا فعلت بنفسك فأجابتني ضاحكة أنت سافرت وانا جالسة في المنزل لا شغل لي سوى الأكل والتلفزيون قلت لها سوف تبدئين بحمية منذ الليلة اتفقنا رأيت الحزن بعينيها الجميلتين ودموع والدتها الطيبة لكنني لم انتبه لشيء بسبب فرحتي بلقائها فقد كان علاجها الذي يحوي الكورتيزون هو ما فعل بها هذا، كيف لي أن اعرف وانا لست بقربها ليتهم اخبروني لأترك كل شيء وبقيت بقربها كنت أحب أن أسرح لها شعرها الأسود الطويل الناعم الذي تساقط أيضا بفعل الأدوية التي كانت تتناولها، وكنت استغرب كيف انها لم تخلع شيلتها عن رأسها كنت اعتقد انها لم تفعل بسبب خروجنا المستمر لم أشعر بشيء خلال إجازتي القصيرة إلى البلاد أخفت عني مرضها وألمها لم تخبرني انها تعيش تحت إشراف الأطباء ومراقبتهم المستمرة لها وعلقم الأدوية، لم تكن تريدني أن أفكر أو اقلق عليها وأفقد تركيزي بدراستي، وهي كانت حريصة على تلقي العلم والدراسة بالرغم مما كان يصيبها غالبا من نوبات الألم الحادة التي كانت تقعدها طريحة الفراش لأيام طويلة مهدودة الحيل ضعيفة، لكنها كانت عندما تهدأ وترتاح تطلب من زميلاتها أن يعطينها كل دروسها حتى لا تتأخر عنهن، ومع مرور الأيام شاء الله أن يتقدم لخطبتها شاب خلوق ومن عائلة معروفة يعمل بالتجارة التي نجح فيها وعنده فروع لشركاته في جميع أنحاء العالم، أحبها جدا وعندما رفضته حزن وطلب منها أن يعرف السبب فأخبرته بالحقيقة وقالت له لا أمل لي بالشفاء فأجابها لا تفقدي ايمانك بالله عزّ وجل فهو على كل شيء قدير ولا أحد يعلم ما يخبئه القدر، تعجبت والدتها عندما أتوا لخطبتها وقالت لهم ألا تعلمون أن ابنتي مريضة وحالتنا المادية ليست جيدة فوالدها قد توفي وهي لا تزال رضيعة وانا موظفة وابنتي تحتاج لعلاج مكلف فقد بعت كل ما أملك لعلاجها وبعض الخيرين وأصحاب الأيادي البيضاء كثر الله من أمثالهم يساعدوننا، لذلك أنا لا أريد أن أحملكم عبئها فقال والد علي أن ابني قد سمع الكثير عن أخلاق ابنتك وذكائها وعن محاربتها لمرضها بكل إيمان وتقوى وكل إنسان منا معرض للمرض بأي لحظة وانا مقتنع بكلامه وباركت اختياره نحن نريد أن تصبح ابنتك ابنتنا، فقالت لهم وهي تبكي بكاء الفرح على بركة الله.